الحضارة الإسلامية وتعليم الطب (1) - 3 مايو 2017

صحيفة المدينة

الحضارة الإسلامية وتعليم الطب (1) - 3 مايو 2017

2021-10-23    515

لَيْسَ من الحِكْمةِ اعْتِسَافُ التَّاريخِ والحوادثِ لنُرجِعَ كُلَّ مُخْتَرعٍ حَدِيْثٍ إلى أُصولٍ عربيَّةٍ أو إسلاميَّةٍ، ولكنْ ليسَ مِنَ الإِنْصافِ أَيْضًا أَنْ تُغَيَّبَ جُهُودٌ عِلْميَّةٌ حضاريَّةٌ رائِدةٌ بحُجَّةِ الموضوعيَّةِ وعدَمِ التكلُّفِ، فمن المناسبِ أنْ نُشيرَ إلى أنَّ أوَّلِيَّاتٍ كثيرةً في الطبِّ قامَ بها أطبَّاءُ عربٌ أو مسلمُونَ.

وفي الوقْتِ الذي كانتْ فيهِ الكنيسةُ تحرِّمُ صناعَةَ الطبِّ؛ لأنَّ المرضَ عقابٌ من اللهِ لا ينبغِي للإنسانِ أنْ يصرفَهُ عمَّنْ يستحقُّهُ، كانَ الأطباءُ العربُ والمسلمُونَ يسجِّلونَ الإنجازَ تِلْوَ الإنجازِ، ويقدِّمون للبشريَّةِ الدواءَ وراءَ الدواءِ، ويبتكرُونَ الاختراعَ بعْدَ الاختراعِ. ويُعتبر الطبُّ من أوسعِ مجالاتِ العلومِ الحياتيِّةِ التِي كانَ لعلماءِ المسلمِينَ فيهَا إسهاماتٌ كبيرةٌ وبارزةٌ عبرَ عصورِ حضاراتِهم الزاهرةِ.

فابنُ النَّفيسَ كشفَ للبشريَّةِ -لأوَّلِ مرةٍ- عن الدَّورةِ الدَّمويةِ الصُّغرَى.

وأبو بكرٍ الرازيُّ أوَّلُ مَن اكتشفَ الحساسيَّةَ، واستخدمَ المراهِمَ لعلاجِها، وأوَّل مَن ابتكرَ خيوطَ الجراحةِ، وهو أوَّلُ مَن شخَّصَ الجدريَّ والحصبةَ ووضعَ لذلكَ كتابَهُ الشهيرَ (الجدريّ والحصبة).

وأبو القاسمِ الزهراويُّ أوَّلُ مَن قامَ بعمليَّاتٍ جراحيَّةٍ لإزالةِ حصواتِ المرارةِ، وقدء ابتكرَ أكثرَ مِن مئتِي أداةٍ جراحيَّةٍ.

وابنُ سينَا (428هـ) استطاعَ أنْ يقدِّمَ للإنسانيَّةِ أعظمَ الخدماتِ بمَا توصَّلَ إليهِ مِن اكتشافاتٍ، فقدْ سبقَ فِي تشخيصِ الأمراضِ، واقتراحِ علاجاتِها، وكانَ قانونُهُ هو قانونَ الأطباءِ لسنواتٍ طويلةٍ، وكانَ أيضًا علَى درايةٍ واسعةٍ بطبِّ الأسنانِ. والأطباءُ المسلمُونَ أوَّلُ مَن عرفُوا التخصُّصَ في الطبِّ، فكانَ منهُم: أطباءُ العيونِ (الكحالُونَ)، ومنْهُم الجرَّاحُونَ والمتخصِّصُونَ في أمراضِ النساءِ والولادةِ.

وفوقَ ذلكَ سبقَتِ الحضارةُ الإسلاميَّةُ في بناءِ المستشفياتِ، ووضعِ شروطِهَا مكانًا وبنيانًا، وقدْ وصفَ ابنُ جُبيْرٍ في رحلتِهِ مستشفَى بغدادَ الشهيرَ فقال: «وهو علَى دِجْلَةَ، وتتفقَّدُهُ الأطباءُ كُلَّ يومِ اثنين وخميس، ويُطالعُونَ أحوالَ المرضَى بِهِ، ويُرتِّبون لهم أَخْذَ ما يَحتاجونَ إِلَيْهِ، وبينَ أيديِهم رجالٌ يَتناولُونَ طَبْخَ الأَدْوِيةِ والأَغْذِيَةِ، وهو قَصْرٌ كبيرٌ فيه المقاصيرُ والبيوتُ، وجميعُ مرافقِ المساكنِ الملوكيَّةِ، والماءُ يَدخُل إليه مِن دجلة».

فانظرُوا كمْ تركتْ حضارةُ الإسلامِ مِن أثرٍ في عالمِ الطبِّ.

ولعلَّ مِن بواعثِ هذَا، تلكَ النظرةُ الساميةُ التي ينظرُ بهَا الإسلامُ إلى الإنسانِ مِن حيثُ هو إنسانٌ، قالَ سبحانَهُ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).

وللحديث بقية...


مشاركة :